احصائيات وأرقام
صادرات العرب الى روسيا انهارت بانهيار الاتحاد السوفييتي
تتسم عملية البحث في العلاقات الاقتصادية بين روسيا المعاصرة «روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي» والدول العربية بغياب شبه تام للبيانات والمعلومات بل وقلة الدراسات في هذا الميدان مقارنة بالفترة السوفييتية. غير أن الأمر الثابت والواضح أن انهيار الاتحاد السوفييتي والتحاق روسيا بعملية الانتقال إلى اقتصاد السوق أدى إلى حدوث تغيرات محسوسة في العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا والبلدان العربية تجلت في تراجع هذه العلاقات بشكل كبير رغم أن الاتحاد الروسي حافظ في التسعينيات على علاقات تجارية واقتصادية مع العديد من الدول العربية منها: الجزائر ومصر وقطر ولبنان وليبيا والمغرب والإمارات والسعودية وسوريا على سبيل المثال.
في عام 1993م ذهب إلى هذه البلدان العربية حوالي 1% من إجمالي الصادرات الروسية وجاء منها حوالي 1.5% تقريبا من واردات روسيا الإجمالية. أما في عام 1994م كان هذان المؤشران على النحو التالي: حوالي 1% من صادرات روسية
و0.5% من الواردات الروسية . أي أن الميزان التجاري بين روسيا والدول العربية أصبح يميل لصالح روسيا. وبشكل عام بلغ الوزن النوعي للبلدان العربية في عام 1993م في الحجم الإجمالي للتجارة الخارجية الروسية 1.3%
وفي عام 1994م تقلص هذا المؤشر إلى 0.9% . إلا أنه ارتفع بعد ذلك، وفقا لبعض التقديرات، ليصل إلى حوالي 4.5% في عام 2000م وذلك على حساب زيادة الصادرات الروسية إلى البلدان العربية وبشكل رئيسي الصادرات من الأسلحة وقطع الغيار اللازمة لها ومع ذلك لا يرتقي حجم التبادل التجاري بين روسيا المعاصرة والبلدان العربية إلى مستوى التبادل في العهد السوفييتي حيث أنه قبل بداية التسعينيات وانهيار الاتحاد السوفييتي كان الوزن النوعي للبلدان العربية في حجم التبادل التجاري الإجمالي للدولة السوفييتية مع البلدان النامية أكثر من 25% و حوالي 20% من قيمة التعاون الفني للاتحاد السوفييتي مع بلدان العالم الثالث
فقد قدر حجم التبادل التجاري بين روسيا والبلدان العربية في العام الماضي بحوالي 5.5 مليارات دولار أميركي منها حوالي 2 ملياري دولار بين روسيا والعراق وحدهما. في الوقت ذاته بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا والمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال،
في عام 2001م حوالي 120 مليون دولار أميركي فقط كلها واردات روسية للمملكة. وتجدر الإشارة أن الميزان التجاري للدول العربية مع الاتحاد الروسي، كما ذكرنا أعلاه، هو في صالح روسيا بشكل أساسي، أي أن واردات الدول العربية من روسيا أكبر من صادرت البلدان العربية لها. وبعبارة أدق فإن الموازين التجارية للبلدان العربية في حالة عجز أمام روسيا. والجدولان التاليان يوضحان هذه الظاهرة: على مدار الفترة 1983 ـ 1990 صدر الاتحاد السوفييتي إلى بعض البلدان العربية أسلحة ومعدات عسكرية بمبلغ يزيد عن 55 مليار دولار حصل العراق منها على حوالي 24 مليار دولار، وسوريا ـ 11 ملياراً، وليبيا ـ 7 مليارات. وبواسطة هذه التوريدات من الأسلحة والمعدات العسكرية أمنت سوريا واليمن الديمقراطية 100% من احتياجاتها من الأسلحة، بينما غطى العراق حوالي 50% من احتياجاته العسكرية. وقدمت هذه الأسلحة إما كهدايا أو في شكل قروض ميسرة طويلة الأجل. ومن الإنجازات الحقيقية للتعاون السوفييتي ـ العربي على مدار الستينيات والثمانينيات كان سد أسوان في مصر ومجمع توليد الكهرباء على الفرات بسوريا ومجمع الحديد والصلب في مصر والجزائر والمشروعات الأخرى الاستثمارية الكبيرة في اليمن والمغرب وليبيا والسودان وتونس والعراق وغيرها من البلدان العربية
في الوقت نفسه فإن التعاون السوفييتي في مجال الاقتصاد والبناء العسكري لبعض البلدان العربية لم يكن من قبيل المساعدات الإنسانية والأيديولوجية بشكل كامل. فعلى حساب الواردات من الدول العربية غطى الاتحاد السوفييتي احتياجاته من الواردات الخامية والسلعية من النفط والبلح «بنسبة 100%» ومن غزل القطن والبرتقال «بنسبة 70%» ومن العطور وأدوات التجميل
بنسبة خمسة وعشرون فى المائة
إلا أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتقال روسيا إلى إصلاحات اقتصاد السوق تعثرت العلاقات التجارية والاقتصادية مع العالم العربي. وبذلك حرمت روسيا من أنواع كثيرة من السلع والمنتجات الضرورية لاقتصادها والتي كانت تحصل عليها من بعض البلدان العربية. وبدا الاقتصاد الروسي وكأنه في وضع لا يسمح له بتصدير المعدات والكثير من المنتجات التي حجزتها العديد من الشركات العربية بسبب الأزمة التي ألمت بالاتحاد الروسي
لقد أدى انتقال روسيا إلى اقتصاد السوق إلى تغيير توجهات التجارة الخارجية الروسية تماما في اتجاه البلدان الغربية وتحديدا الأوروبية. وعنى ذلك فتح الأسواق الروسية على مصرعيها أمام السلع الغربية، الأمر الذي شكل صعوبة تنافسية كبيرة «لم تكن موجودة في العهد السوفييتي» في وجه المنتجات العربية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما تواجهه الأقطان والملابس الداخلية المصرية «المعروفة بجودتها» منافسة حادة ليس فقط من قبل منتجات الدول الأوروبية في السوق الروسية بل ومن قبل المنتجات التركية والباكستانية والهندية والصينية وغيرها. الوضع نفسه ينطبق أيضا على السلع الغذائية من الدول العربية
في التسعينيات برز توجه جديد في العلاقات الاقتصادية لروسيا مع البلدان العربية تجلى في الاهتمام بدول الخليج النفطية مقارنة بالاهتمام السابق للاتحاد السوفييتي بدول «التوجه الاشتراكي من بين الدول العربية». غير أن الظروف الحالية التي يمر بها الاقتصاد الروسي لا تسمح إلا بتوريد الأسلحة والمعدات العسكرية الحديثة وبعض التكنولوجيات الرفيعة لهذه الدول. ففي عام 1995م وقعت روسيا والكويت عقدا بمبلغ 760 مليون دولار لشراء الأخيرة بعض المعدات العسكرية الروسية. الوضع نفسه مع دولة الإمارات التي وقعت مؤخرا عقدا لشراء منظومة صواريخ الدفاع الجوي المحدثة «بيتشورا». كما وقعت عدة اتفاقيات للتعاون الاقتصادي مع العديد من الدول العربية: مصر والسعودية وسلطنة عمان وسوريا والعراق وغيرها
المديونية في بداية التسعينيات من القرن الماضي كشف النقاب عن مديونية البلدان الاشتراكية والنامية للاتحاد السوفييتي السابق والتي تراوح تقديرها بين 122 ـ 146 مليار دولار أميركي. ووفقا لبعض البيانات بلغ نصيب البلدان العربية 23% تقريبا من إجمالي الديون المستحقة للاتحاد السوفييتي السابق، أما حصة البلدان العربية في المديونية السوفييتية المستحقة على البلدان النامية فقط فهي حوالي 35%، أي أكثر من الثلث تقريبا. ووصل عدد الدول العربية المدينة للاتحاد السوفييتي السابق 11 دولة. وبذلك تكون مديونية بعض البلدان العربية المستحقة لروسيا كوريث شرعي للاتحاد السوفييتي أكبر بكثير من مديونية الاتحاد الروسي الحالية لبعض البلدان العربية
وقد استطاعت بعض البلدان العربية خلال النصف الأول من التسعينيات تقليص هذه المديونية «مصر على سبيل المثال»، إلا أن البعض الآخر لم يستطيع عمل ذلك بل وزادت مديونيته لروسيا. فمثلا في عام 1994م المديونية السورية لروسيا بلغت 11 ملياراً، العراق 5.5 مليارات «بعض المصادر تقدر حجم المديونية العراقية لروسيا حاليا بحوالي 7 مليارات دولار»، مصر 3 مليارات دولار، ليبيا واليمن 2.5 مليار دولار لكل منهما. علاوة على ذلك فإن القسم الأساسي من هذه الديون يعود للديون العسكرية غير المدفوعة والتي تم شراء أسلحة بها من الاتحاد السابق. والجدول التالي يوضح تطور المديونية المستحقة لروسيا على بعض دول المنطقة
فيما يتعلق بالنشاط الاستثماري العربي في روسيا يصعب تماما العثور على بيانات أو دراسات دقيقة، ومع ذلك يمكن رصد بعض الأنشطة العربية في العاصمة موسكو وبعض المدن الروسية الأخرى. ففي بداية التسعينيات «بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبداية إصلاحات السوق في روسيا» نشطت في موسكو حوالي 24 شركة مشتركة مع رأس المال العربي من مصر والأردن ولبنان وسوريا
وعملت غالبية هذه الشركات الروسية ـ العربية المشتركة بشكل أساسي في مجال تجارة الجملة الصغيرة. بجانب وجود بعض الشخصيات الطبيعية «الأفراد» العربية نشطت في ميدان تجارة المفرق الصغيرة الحجم. كما وجد عدد قليل للغاية من هذه الشركات المشتركة ذات الحجم الكبير نسبيا مارست النشاط الإنتاجي أو شبه الإنتاجي منها الشركة الروسية ـ المصرية «كليوباترا» وشركة «تاكي» للموبيليا. في الوقت ذاته يمارس رجل الأعمال المصري المشهور إبراهيم كامل تعاونا مع الجانب الروسي في ميدان الطائرات المدنية بجانب ممارسته لتجارة الجملة للسلع والمنتجات الغذائية. ومن المشروعات الكبيرة والضخمة مشاركة سلطنة عمان مع روسيا وكازاخستان 1992م في مشروع تنجيز لنقل النفط عبر الميناء الروسي نوفوروسيسك
وقد أدت الأزمة المالية التي ضربت روسيا في أغسطس 1998م إلى إفلاس الكثير من الشركات العربية العاملة في قطاع تجارة الجملة والتجزئة الصغيرة والمتوسطة. وتشير البيانات الحديثة المتوفرة إلى مواصلة تركيز النشاط الاستثماري العربي في روسيا على ميدان التجارة وتحديدا التجارة الصغيرة والمتوسطة الحجم، بالإضافة إلى مجال الخدمات مثل ورش إصلاح السيارات ومحلات بيع السلع وبعض المطاعم والسياحة
ويرى بعض الاقتصاديين الروس ضرورة أن يقتحم رأس المال العربي مجال الإنتاج في روسيا بقوة. إلا أنه توجد العديد من الصعوبات في هذا المجال، منها القاعدة القانونية غير المكتملة وحظر ملكية الأراضي الزراعية للأجانب وعدم استقرار التشريع الضريبي حتى الآن. هذا بجانب موقف بعض قطاعات رجال الأعمال الروس من التعاون مع رجال الأعمال العرب. فرجال الأعمال الروس الصغار يتعاملون بشكل كبير مع العرب الذين يعملون في مجال تجارة الجملة الصغيرة. أما قطاع الأعمال الروسي المتوسط فيفضل التعاون مع اليابان وتايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وبعض البلدان الغربية. في الوقت ذاته يتوجه قطاع الأعمال الروسي الكبير بشكل أساسي نحو التعاون مع بلدان أوروبا الغربية وأميركا الشمالية
وبشكل عام فإن البيانات المتاحة تشير إلى أن حجم رأس المال من البلدان العربية الذي يعمل في روسيا محدود للغاية، كما أن مساهمات الحكومات العربية في الاستثمار في الاقتصاد الروسي لا تتعدى بضع ملايين من الدولارات. وذلك في الوقت الذي ينشط فيه رأس المال الغربي والإسرائيلي بقوة في روسيا غير مبال بالعوائق التي تقف أمام الاستثمارات. وعمليا لم يحاول رجال الأعمال من البلدان العربية خلال السنوات العشر الأخيرة تأسيس قاعدة معلوماتية لدراسة السوق الروسية للمساعدة في فهم احتياجات هذه السوق كما تفعل الشركات الغربية على سبيل المثال. ومن ثم يواجه رجال الأعمال هؤلاء الكثير من المصاعب في الدخول إلى السوق الروسية المتسعة. وهكذا في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي وبداية إصلاحات السوق في روسيا تراجعت العلاقات التجارية والاقتصادية بين الاتحاد الروسي والدول العربية بشكل كبير وذلك رغم حفاظ موسكو في التسعينيات على علاقات تجارية واقتصادية مع العديد من الدول العربية. وعلى ما يبدو أن آفاق تنشيط العلاقات التجارية بين روسيا المعاصرة والبلدان العربية غير واضحة المعالم وخاصة أن الاقتصاد الروسي في حالته الحالية لا يستطيع إلا أن يقدم بعض أنواع الأسلحة الحديثة وبعض التكنولوجيات الرفيعة
ومن هنا يتطلب الأمر تعويض ضعف العلاقات التجارية عن طريق العلاقات الاستثمارية، أي يتوجب دخول رأس المال العربي إلى روسيا بقوة. ولا ينبغي أن نتجاهل حقيقة أن رأس المال يستطيع أن يؤثر سياسيا كما يؤثر اقتصاديا. وكلنا نعلم جيدا كم نحن في حاجة للتأثير السياسي والإعلامي على القرار والرأي العام في روسيا بعد أن خسرنا هذه المعركة في الغرب والولايات المتحدة على مدار نصف القرن الماضي. ولكن غياب الرؤية السياسية والاستراتيجية للاستفادة من الحركة الخارجية لرؤوس الأموال العربية سواء كانت خاصة أو حكومية يلعب دورا معيقا للتعاون الاقتصادي العربي مع روسيا